يعتبر المخيخ من جملة الأجزاء السبعة التي تكوّن الجهاز العصبي لمجموعه العام وهي المخ والمخيخ ثم الساقان المخيتان ، والحدبة الحلقية أو جسر فارول ، والبصلة السيسائية ، والنخاع الشوكي.


ويمكن أن نقول باختصار ان المخيخ هو مركز توافق وانسجام حركات البدن وأي خلل فيه يؤدي إلى الاضطراب في تأدية الوظيفة ، ولا يتداخل في الأعمال الذهنية كما نرى لأن تلك الأعمال على ما يبدو هي من اختصاص قشر المخ.

يتألف المخيخ من ٢٠ قسماً ، ومن ستة جسور تصل ما بينه وبين بقية أقسام الجهاز العصبي المركزي حيث يكون الجسران العلويان للعبور من المخيخ إلى خارجه بينما تكون الجسور الأربعة السفلى للمرور من خارج المخيخ إلى داخله وفي هذه الجسور العريضة تزدحم آلاف الآلاف من الألياف العصبية التي تحمل الرسائل القادمة من الجسم تخبر عن حاله كما

يخرج من المخيخ الألياف التي تفهم قشر المخ بما يحدث كما تتفهم مع الساقين المخيتين والحدبة الحلقية والبصلة السيسائية وهكذا يسير توازن البدن وانسجام حركاته على أتم وجه.

إذا نظرنا إلى المخيخ من الخارج نراه وكأنه كومة من خيطان يزن قرابة ١٤٣ غرام كما انه يتكون كما في المخ من قشر رمادي ومن مادة بيضاء ولكن قشر المخ كما مر يتكون من ستة طبقات ، أما في المخيخ فيتكون من ثلاث طبقات وفيه نوع خاص من الخلايا ذات شكل اخطبوطي هي خلايا بور كنج ، وإذا نظرنا إلى المخيخ من الداخل فاننا نجد ما يشبه تفرعات الشجرة ، ولقد كان يظن ان مركز الحياة هنا ولذا كانت تسمى شجرة الحياة وداخل التلافيف البيض في الدماغ يظهر ما يشبه الجزر الطافية من المادة الرمادية أي تجمعات الخلايا العصبية ، وهكذا نرى في بحث تلافيف المخيخ ست جزر من المادة الرمادية وبشكل متناظر وهذه الجزر تستقبل السفن من الخارج وهي هنا بصورة الألياف العصبية التي تحمل الرسائل اليها ومنها إلى الخارج ، وهنا نتساءل ماذا يحدث لو اننا قمنا بتخريب بعض المناطق في المخيخ؟ لقد وجد ان الأقسام العشرين التي في  المخيخ تتوزع فيما بينها فالأقسام الأمامية خاصة بالتوازن والأقسام الوسطى خاصة بالمقوية العضلية حيث تصرف الأوامر اللازمة للعضلات المعينة أن تتقلص بما يناسب الحركة ولنتصور مقدار دقة هذا العمل إذا كان مثلاً فتح باب السيارة يحتاج لمجهود يفوق (٤٠٠) ضعف مجهود إدارة قرص التلفون ، ولنتصور أيضاً مقدار الجهد الذي نصرفه حينما نقلب صفحة من كتاب وبين رفع ثقل يزن خمسين كليوغرام؟!! كما ان الأقسام المتوسطة تشرف على أوضاع الأعضاء والأعمال الودية في البدنوأما الأقسام الخلفية فهي تختص بتنسيق الأعمال الارادية التامة والجزئية ،
وبعد أن ذكرنا هذا التقسيم البسيط لنتصور مدى الضرر الذي يلحق بالانسان فيما إذا تخربت بعض المراكز وكانت بحجم لا يزيد عن حجم العدسة الصغيرة.

ان مشكلة التوازن مشكلة معقدة ، وحتى الوقوف البسيط العادي يعتبر حركة بهلوانية عجيبة ، فالمخيخ مركز القيادة في التوازن وكأنه القبطان الذي يدير دفة السفينة في بحر متلاطم الأمواج أو كأنه القائد الذي يسير بالطائرة في جو مليء بالزوابع والعواصف والغيوم ، وبدون أن يحدث أي اضطراب هام يقوم المخيخ بادارة دفة العمل بشكل منظم دقيق هادىء متزن ...

وحتى يمكن للانسان أن يتزن اثناء الوقوف ، واثناء التمايل ، واثناء الجلوس ، واثناء المشي ، فان عدة عناصر تشترك في اقرار هذا التوازن وهي العضلات والعظام والمفاصل والأعصاب التي تنقل الحس عبر النخاع الشوكي والدهليز في الاذن الباطنة ( تقسم الاذن إلى ثلاث أقسام خارجية ووسطى وباطنة ) فأما الدهليز ففيه مناطق تسمى بالتيه أي ان الذي يمر فيها يصاب بالتيه وهو يمر في هذه الدهاليز السحرية العجيبة ومن جملة العناصر التي تقر التوازن أقنية تمثل اتجاهات الفراغ أي من الأمام إلى الخلف ، وبشكل أفقي ، وهي الأقنية نصف دائرية الوحشية والخلفية والعلوية ، وهذه الاقنية بواسطة البلغم الداخلي الذي يمر فيها تتعرف على وضع الانسان فيما اذا كان قائماً ، أو قاعداً ، أو نائماً ، أو مائلاً حسب ميلان السائل داخل الأقنية حيث يرتطم ببعض الجسيمات الحسية التي تنتقل عبر العصب الدهليزي إلى المخيخ ، كما تنتقل إلى المخيخ الأخبار الصادرة من وضع العظام والمفاصل والعضلات ويقوم المخيخ بدوره في تنسيق الاعمال وجعلها مترابطة إلى بعضها البعض.
ولذا فان أي خلل يصيب المخيخ يعطل هذا التوازن ، فعلى مستوى
العين تحدث الرأرأة حيث ترقص العين ولا تستقر اثناء النظر اما إلى الأعلى والأسفل وأما إلى الأيمن والأيسر وأما بشكل فوضوي حسب منطقة الاصابة والسبب في هذا يعود إلى ان المخيخ ينسق حركة عضلات العين ، حيث ينسق حركة العين ستة عضلات وهي العلوية والسفلية والانسية والوحشية والمنحرفة الكبيرة والمنحرفة الصغيرة حيث يؤمّن بواسطة هذه العضلات حركة العين إلى الأعلى والأسفل واليمين واليسار وبشكل منحرف بحيث يمكن بهذه الطريقة تدوير كرة العين ، والمخيخ يهيمن على توازن هذه العضلات بحيث ان انقباض أحدها يستدعي استرخاء الآخر فيما إذا كان المطلوب من حركة العين مثلاً النظر لليمين فالمفروض ان تتقلص العضلة اليمنى وتسترخي اليسرى فتنفتل كرة العين الى اليمين وهكذا بقية الحركات والمخيخ يشرف على عمل العضلات بحيث يجعلها متوافقة متفاهمة مع بعضها البعض فهو صلة الوصل والاداري العام والمنظم الواعي الدقيق!!
فاذا حدث اختلال في هذه المراكز لم يبق قرار لكرة العين فتصاب بالرأرأة حيث تتراقص بشكل يدعو للتأمل والنظر ، وبالاضافة إلى هذا فان أي خلل آخر على مستوى آخر من مستويات المخ يحدث اضطراباً وعدم انسجام في عضلات أخرى من البدن ...

وهذا الشيء يعرفه الاطباء جيداً فالمشية تضطرب فاذا أراد أن يمشي فانه يشبه السكران في مشيته حيث يقع والسبب في هذا هو ان انسجام حركة العضلات مع التقدير المحكم لنقل الخطوة اضطرب ولذا فانه يمد رجله أكثر أو أقل مما هو مطلوب كما ان اتزانه يضطرب ، ولذا فانه يوسع ساحة استناده فيباعد بين رجليه حتى يستطيع أن يتمكن من الاتزان ويشتد الامر أكثر فأكثر فيما إذا أغمض عينيه لان النظر يخفف من خطأ التقدير ولذا فانه يتزن أكثر ولكنه إذا أغمض عينيه
مال الى السقوط سريعاً ، ولقد جرب تخريب المخيخ في الطيور فوجد ان الطير إذا ألقي في الهواء سقط كالجسم الذي ليس فيه حراك مع انه يبصر ما يحل به ولكنه لا يستطيع أن ينظم حركات جناحيه ، ويصل الامر إلى أن الوقوف بحد ذاته يصبح مشكلة وخاصة اذا أغمض عينيه فانه يميل إلى السقوط ، وتسمى هذه العلامة بعلامة رومبرغ وهي مهمة في تشخيص أمراض المخيخ ، ويصبخ الميل للسقوط أكثر فيما إذا طلب من المريض وضع رجل أمام الاخرى اثناء الوقوف.

ويحدث الرجفان في الاطراف فاذا طلب من المريض أن يضع اصبعه على أنفه تعذر عليه ذلك واضطرب بشدة وأصيب برجفان يزداد كلما ازداد قربه من الهدف ولذا يعرف هذا بالرجفان القصدي. كما انه إذا قلب كفيه سوية اضطرب الامر معه وأخذ يقلب الواحدة ويخطأ في الثانية وهكذا.

وإذا أراد أن يتكلم اُصيب بالرتة وهي تقطع الكلمات وعدم فهم الكلام منه بشكل واضح فهو يتكلم ولكن كلامه مضطرب والسبب في هذا يعود إلى عود انسجام عضلات التصويب حيث ان النطق عند الانسان يقوم على الجهاز العصبي أولاً وعضلات التصويت وهي الحبال الصوتية في الحنجرة بالاضافة الى حركة اللسان والشفتين ، فأي اضطراب الانسجام ما بين حركة العضلات في أي منطقة حصل اضطراب التصويت خاصة إذا علمنا ان اللسان فقط يحتوي على ١٧ عضلة والوجه فيما يزيد على ٣٠ عضلة وكل حرف من الحروف التي يتكلم بها الانسان لها مخارج معينة من الحلق أو الحنجرة أو مقدم اللسان أو من الشفتين فاذا حدث أي خلل بسيط أصبح الانسان عاجزاً عن تفهيم الآخرين عما يريد إلا بصعوبة بالغة.